قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

تاريخ الصيام ورمضان

المحتويات:

تاريخ الصيام ورمضان

الصيامُ في الشرائع السابقة:

 

الصيام عبادة قديمة، كانت في الأمم السابقة، وانتقلت من أمة إلى أخرى، وإن اختلفت في كيفيتها، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

 

قد ذكر السيوطي رحمه الله “أن أول من صام آدم عليه السلام ثلاثة أيام في كل شهر” أخرجه الخطيب في (أماليه) وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً. ثم قال: [وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك] قال: “الصوم الأول صامه نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان صومه في كل شهر ثلاثة أيام إلى العشاء وهكذا صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه”.

 

وجاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كانَ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا» رواه البخاري

 

وقد عرفت اليهود والنصارى الصيام، واختلف في كيفيته.

 

أما قريش فقد كانت في الجاهلية تصوم يوم عاشوراء، كما ورد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: «كانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ، في الجَاهِلِيَّةِ وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهوسلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ مَن شَاءَ صَامَهُ، ومَن شَاءَ لا يَصُومُهُ.» [رواه البخاري].

 

رمضان في الشرائع السابقة:

 

جاء عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ ، و أُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزِلَ الزبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ ، وأُنزلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرينَ خلتْ منرمضانَ” رواه أحمد في “المسند” (4/107) وحسنه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (1575).

 

قال بعض المفسِّرين: إن تماثًل صيامنا مع صيام مَن قبلِنا هو في أصل الوجوب وليس في الكيفيّة، (فقد صامت مريم عليها السلام صيام الصمت بالكَّفِ عن الكلام). وقال بعضهم الآخر: إن المَفروض عليهم كان رمضانَ، ولكنهم غيّروا وبدّلوا، وأوردت  بعض كتب التاريخ أيضا أن العرب الموحدون على ملة إبراهيم عليه السلام قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون لشهر رمضان عظمته، ويتحنفون فيه، والأمر لا يعدو مجرّد أقوال وآراء دون سند صحيح يُعْتمد عليه.

 

والوارد عندنا أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حببت إليه الخلوة، فكان يخلو في غار حراء يتحنف فيه وهو في نهاية الثلاثين من عمره، وقد تحنف فيه شهراً وهو شهر رمضان لما أنزل عليه القرآن فيه.

 

أما عن تسميته برمضان، ولأنه قد ارتبط في الأذهان بالصوم فقد تعددت التفسيرات متعلقة بهذا المعنى فقيل: رمض الصائم يرمض، إذا حر جوفه من شدة العطش.

 

وقيل: سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب.

 

وقيل: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والتفكير في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حرِّ الشمس.

 

وقيل أيضًا: “رمضان” من رمضت المكان، يعني احتبست؛ لأن الصائم يحتبس عما نهى عنه، وكل هذه التعليلات، هي تفسيرات إسلامية، مع أن تسميته كانت موجودة قبل الإسلام وقت أن صادف زمنه بدء الحر ورمضت الأرض فقالوا رمضان.

 

مراحل تشريع الصيام في الإسلام:

 

بدأ الصوم في الإسلام بصوم يوم عاشوراء وجوباً، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر استحباباً، حتى إذا كانت السنة الثانية من هجرة الرسول إلى المدينة نزل أمر الله قرآنًا بالصيام في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (البقرة:183-184). فأصبح صوم عاشوراء مستحباً وصوم رمضان واجباً.

 

وفرضية صيام رمضان مرت بثلاث مراحل حكمة بالغة من لدن حكيم خبير:

 

  • المرحلة الأولى:

التخيير بين صيام شهر رمضان، أو دفع فدية للمساكين، قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة:184).

 

فلمّا كان الصّوم غيرَ مألوفٍ للصحابة، ولا معتادٍ، والطِّباعُ تأباه؛ إذ هو هجرُ مألوفِها ومحبوبِها، ولم يُذقْ بعدُ حلاوتَه وعواقبَه المحمودةَ، وما في طيِّه من المصالح والمنافع، خُيِّروا بينه وبين الإطعام، وندبوا إليه.

 

  • المرحلة الثانية:

إيجاب الصيام على المقيم الصحيح القادر المكلف، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185)

 

فلمّا عرَفَوا علّته وألِفَوه، وعرفوا ما تضمّنه من المصالح والفوائد، حُتِم عليهم عيناً، ولم يقبل منهم سواه، وكان للصائم إذا غربت الشمس، أن يأكل ويشرب ما لم ينم، فإن نام، حرم عليه الطعام والشراب وقربان النساء إلى الليلة القابلة.

 

  • المرحلة الثالثة:

ولما كان الصيام على الشاكلة السابقة فيه من الحرج ما لا يخفى، خفف عن المسلمين ذلك؛ ويدل على هذه المرحلة وملابساتها، ما رواه البخاري عن البراء رضي الله عنه، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي،

‏‎وإن قيس بن صرمة الأنصاري، كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلقُ فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك -تتحسر عليه- فلما انتصف النهار غشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (البقرة:187) ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزل قوله تعالى بعدُ: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (البقرة:187).

 

فهذا هو صومنا الآن.

 

صيام النبي صلى الله عليه وسلم:

 

كانت عبودية الصيام سمة من سمات حياته صلى الله عليه وسلم،  فعن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقول: لا يصوم.» رواه البخاري

 

وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام ثلاث من كل شهر، فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : «أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم . فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم» . رواه مسلم (1160) .

 

وقد حرص النبي على صيام يوم عاشوراء قبل البعثة وبعدها، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: ـ«كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ – يَعْنِي الْمَدِينَةَ – صَامَهُ،» رواه البخاري

وعن ابن عباس أنه قال: «ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ». رواه البخاري

 

وكان يحب من الأيام صيام يومي الاثنين والخميس معللاً «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم».

وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: ( فيه ولدتُ ، وفيه أُنزل عليَّ ) رواه مسلم ( 1162 ).

وكان أكثر صيامه من الشهور (غير رمضان) شهر شعبان فعن عائشة، قالت: «وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا.» رواه مسلم

وقالت: «وَما رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، إلَّا أَنْ يَكونَ رَمَضَانَ.». رواه مسلم

 

وهنا سؤال: لماذا لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم صوم داود وهو خير الصيام؟

 

كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يترك بعضاً من الأعمال الفاضلة، وهو يحب أن يفعلها، أو أن يفعلها الناس، لأسباب عديدة، منها: أن يخفف على أمته؛ لأنه إذا فعل الفعل الفاضل وداوم عليه؛ كان فيه نوع تشديد ومشقة على من يريد الاقتداء به صلى الله عليه وسلم.

ومنها:

خوفه أن يفرض هذا العمل على الأمة، كتركه صلى الله عليه وسلم لصلاة التراويح في رمضان خوفاً من أن تفرض على الأمة.

ومنها:

أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك بعض الأعمال أحيانا لانشغاله بما هو أهم وأفضل منها، فمن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في العمرة في رمضان، وأخبر أنها تعدل حجة في الثواب، ومع ذلك لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، لأنه كان يشتغل في رمضان بعبادات هي أهم من العمرة.

حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان:

 

صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم رمضان لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته، فعن ابن عمر رضي الله عنهما «تَراءَى النَّاسُ الهلالَ، فأخبَرْتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي رأيتُه، فصامَه، وأمَرَ النَّاسَ بصيامِه» رواه أبو داود.

 

و كان يواصل صوم يوم بيوم، وينهى الصحابة عن ذلك: فيقول: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقين» رواه البخاري.

 

وكان يبدأ يومه بالسحور، وكان يحب تأخيره، عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: «تسحرنا مع رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية» رواه مسلم.

 

ويقضي رسولنا الكريم نهاره في ذكر وتفكر وعبادة وكانت عبادته أحسن عبادة في رمضان وسائر أيامه صلى الله عليه وسلم،

وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كثير الإنفاق، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان.

وكان يجالس أصحابه يتلو عليهم القرآن ويعلمهم أحكام دينهم ويفتي لهم في ما يشكل عليهم، كما كان يتابع شؤون البلاد وما يستجد في أحوال أمته، فلم يكن رمضان انقطاعاً عن العمل ومتابعة الدعوة، بل إنه قد قضى شيئاً من رمضان بالجهاد والسفر.

 

فغزوة بدر الكبرى كانت أولى الغزوات وكانت في رمضان في السنة التي فرض فيها الصيام، وفي السنة الثامنة للهجرة خرج النبي مسافراً من المدينة إلى مكة، ليفتحها ذلك الفتح المبين، فقضى أياماً من رمضان في السفر صائماً، ومنها مفطراً، وأعقب الفتح إرسال السرايا وتكليف الصحابة بمهام تطهير البلاد من الأصنام، كما استقبل وفود القبائل التي جاءت تسلم عقب الفتح.

 

فكل ذلك يعلمنا أن رمضان ليس شهر نوم وانقطاع عن طلب العلم والعمل.

 

وإذا آذن المساء، وأُذّن لصلاة المغرب، عجّل صلى الله عليه وسلم إلى الفطور، و كان فطوره صلى الله عليه وسلم رُطَبَاتٍ قبل أن يصلِّي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حَسا حسوات من ماء. ثم يقوم إلى الصلاة، ولم يكن يثقل بطنه بطعام، سواء في رمضان أو غيره.

 

وكان إذا أفطر عند قوم دعا لهم فيقول: «أفطرَ عندَكمُ الصَّائمونَ، وأَكلَ طعامَكمُ الأبرارُ،وصلَّت عليْكمُ الملائِكة.» رواه ابن ماجه.

 

أما عن لياليه في رمضان فهي ليال تتنزل فيها البركات ويُطمع فيها بالرحمات، فكان محسناً استغلاله لها، غير قاتل ليله بغفلة أو نوم طويل.

فكان يقوم الليل ويندب إليه فقال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه.

وفي الصحيحين أيضا وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «قام بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أو في الرابعة لم يُصلّ ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم» رواه البخاري، وفي لفظ مسلم «ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها»

 

وكان في لياليه صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن، إذ كان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه.

لنستقي من ذلك استحباب إكثار تلاوة القرآن ليلاً في رمضان، ففي الليل تنقطع الشواغل، وتجتمع الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.

 

ومع هذا الانشغال بالعبادة لم يكن صلى الله عليه وسلم ينسى حق جسده من النوم والراحة، وكان ربما يدركه الفجر في رمضان جنباً فيغتسل ويصوم.

 

أما حاله عند دخول العشر الأواخر، فهي شأن آخر عن عشرون مضت من رمضان، إذ «كان النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» رواه البخاري.

 

و«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان» رواه البخاري.

 

وشُرع الاعتكاف في العشر طلباً لليلة القدر التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.

صيام ساداتُ الصائمين :

 

لما فُرض الصيام، كان صحابة رسول الله من أحسن سادات الصائمين، فهم لم يكتفوا بصوم الفرض بل سارعوا به إيماناً واحتساباً ولم ينسوا حظهم من صيام النفل.

فذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فارق التنعم والترفه وعانق التشمر والتوجه، حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ” لم أر عبقرياً يفري فريه” متفقٌ عليه،

فقد كان يجيدُ كل عمل حتى يصل لُبه فيدرك أصوله وفروعه وتتحقق في قلبه علةُ تشريعه.

وقال ابن عمر: ” ما مات عمر حتى سرد الصيام” ولا نرى ذلك إلا حباً فاض في قلبه فما احتمل إلا أن يقدم المزيد من شعائر الطاعةِ والولاية.

 

أما عثمان رضي الله عنه فلم يجد سبيلاً لقضاء نهاره إلا بالصيام بعدما عَمر ليله بالقيام، قال أبو نعيم عنه: “حظه من النهار الجود والصيام ومن الليل السجود والقيام، مبشرٌ بالبلوى، ومنعم بالنجوى” كأنه يحمل قلباً لا يطيق نبضاً لوقتٍ في غير سبيل الله .

تلك مِنح الله للصائم القائم؛ البِشْرُ والتَّنَعُم في كل الأوقات.

حتى أنه قُتل وارتقى وهو صائم لله تعالى، يشهد له جوفه أنه عاش لله ويشهد له موته أنه مات في سبيل الله.

 

أما عائشة رضي الله عنها فنست الملاذ لما تنعمت بقُرب الصيام، لم يكن الطبيعي في يومها التنعم بأطايب الطعام لم يشغلها ذلك فيحتل جزءاً من تفكيرها والله أولى بكل التفكير

فعنها: “عن أم ذرة وكانت تغشى عائشة – رضي الله عنها – قالت: بعث إليها ابن الزبير بمال في غِرارتين قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسمه بين الناس فأمست وما عندها من ذلك درهم. فلما أمست قالت: يا جارية هلمّي فِطْري. فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت لها: لا تعنّفيني لو كنت ذكرتني لفعلت” .

 

ثم عبد الله بن عمرو رضي الله عنه لما علم أن للصائم دعوة لا ترد وهو المشتاق لأن يسمعه ربه فيتقبل منه ما كان منه إلا الإقبال حتى قال ابن أبي مُليكة: سمعت عبدالله بن عمرو يقول إذا أفطر: “اللهم إني أسألك برحمتك التي وسِعت كلَّ شيء أن تغفر لي”.

 

وتجد أبا هريرة رضي الله عنه من أحرص الناس على تمام الصيام ووصله بتمام القيام والعبادة، فعن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي هريرة قال: كانت لي خمس عشرة تمرة، فأفطرت على خمس تمرات، وتسحَّرت بخمس، وبقِيت خمس لفطري، وإن كان هذا الاقتصاد من قلة الطعام، إلا أن أبا هريرة – رضي الله عنه – كان يخشى من الشِّبَع، ويحذر عاقبته، فيقول في ذلك: ويلٌ لي من بطني، إذا أشبَعته كظني، وإذا أجعته سبَّني.

نعم إن مضرة الشِّبع معروفة، وخاصة في هذا الشهر الكريم، لِما يُفوت على الإنسان من فرص الخير والتقرب إلى الله بطاعته.

 

أما عن حال الصحابة ككل في رمضان فقد كانوا أحرص الناس على صحة الصيام فقد روى أبو نُعيم في الحِلية عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان وأصحابه إذا صاموا قعَدوا في المسجد، وقالوا: نُطهر صيامنا، يحفظون صيامهم من اللغو والرفَث وقول الزور، ومن كل ما يُفسده أو ينقص أجره.

فتلك كانت أيامهم، تتمحور حياتهم على الصيام ولا يحتل ركناً عينياً منها، بل هو لُبها.

وتلك الحياةُ الخالصة لله.

 

 

للحصول على المقال مصوراً

 


 

المصادر:

  • صحيح البخاري، كتاب الصوم
  • الشمائل المحمدية، .باب ما جاء في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • موسوعة الفقه الإسلامي
  • رمضان في الجاهلية والإسلام – شبكة الألوكة
    http://www.alukah.net/culture/0/3631/
  • لماذا لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم صيام داود عليه السلام مع إخباره بأنه أفضل الصيام ؟
    https://islamqa.info/ar/answers/224307/لماذا-لم-يصم-النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-صيام-داود-عليه-السلام-مع-اخباره-بانه-افضل-الصيام

من منتجاتنا

No data was found