٢٧ رمضان
“يا أبا هريرة، كن وَرِعاً تكن أعبد الناس” [حديث حسن].
✨ *طهارة القلب.. أمنية الكل !*
أمنية تتربع في صدور المؤمنين، هي لهفة المحبين، وانكسارة المذنبين، ورجاء التائبين..إنها طهارة القلب.
وأي شيء أسعد للنفس وأبهج، وأي راحة ومغنم أكبر من أن يكون القلب طاهراً من كل ذنبٍ وإثم؟
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222)
✨ *طهارة القلب تُدْرَكُ بالورعِ*
طهارة القلب أمنية يتمناها الكثير، والسبيل إليها عبودية يسعى فيها القليل، ويهجرها جمع غفير، وليست العبرة بالتمني، بل بالعزم والبذل وجبر التقصير، ألا وإنها *“الورع”*.?
فكم ممن يميل دون الورع ويضرب بذلك الحجج وتموج به الشهوات، ويظن -مأسوفا عليه- أن هذه العبادة إنما هي مقصورة على الزهاد، فأنى له طهارة القلب التي يريد؟ وهل التمني يفيد؟!❗️
قال إبراهيم بن أدهم: “الورع ترك كل شبهة، وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلاتِ” ، وفي الترمذي مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن أعبد الناس” [حديث حسن].
*الورع: هو ترك السيئات، والخروج من الشهوات لما تؤول إليه من الشبهات.*
✨ *ترفع عن السيئات*
فأول درجات بلوغه هو الكف عن السيئات، على وجه استحضار عظمة الله، وصيانة النفس مما يحبط قدرها عند ذي الجلال والإكرام، وحفظِ القلب من نكتات الذنوب، فقد يقترف المؤمن الذنوب مستصغرًا لها، مستهيناً بها، مغالباً الرجاء، ناسياً أنه والخوف لابد أن يكونا على حدٍ سواء.?
قال صلى الله عليه وسلم: إنَّ المؤمِنَ إذا أَذنَبَ كانتْ نُكتةٌ سَوداءُ في قلْبِه، فإنْ تابَ ونَزَعَ واستَغفرَ؛ صُقِلَ قلْبُه، وإنْ زادَ زادَتْ، حتَّى يَعلوَ قَلبُه ذاكَ الرَّينُ الَّذي ذَكَر اللهُ عزَّ وجلَّ في القرآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 14) [رواه أحمد وهو حديث حسن].
فالذنوب تُطْفئ نور القلب، وتُذْهِب بصيرته وتَجُر بعضها بعضًا، و صغائرٌ تفتح باب الكبائر، حتى أنها قد تهوي بصاحبها إلى الكفر، فلا أمان مع معصية. ?
✨ *فارق الشهوات*
أما المرتبة الثانية من بلوغ الورع، ترك الشهوات والشبهات وحفظ الحدود عند حدٍ لا بأس به، إبقاءٌ على الصيانة والتقوى، وترفعا بالنفس عن الدناءة، وتحرزاً من اقتحام الحدود.?
وذلك بأن يُترك كثيرٌ مما لا بأس به من المباح،وتُتركُ مواضع الخلاف، صيانة للإيمان وحفظاً للقلب وخوفا على النفس من التوسع فتتجرأ على الحرام من غير رَوِيَّةٍ، لاسيما إن كان ذلك المباح برزخاً بين الحلال والحرام.?
قال بعض السلف: “لا يبلغ العبد حقيقة التقوى، حتى يَدَعُ ما لا بأس به حذراً مما به بأس”.
ومن نماذج الورع، قد نرى من الأخوات من تلتزم اللبس المحتشم وتتحرج من كشف الساقين والأذرع أمام المحارم والنساء، وما ذلك إلَّا صيانة للحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، وتحقيقاً للتقوى ؛ بوضع حواجز بينها وبين أن تقع في الحرام من غير قصد أو بقصد.
{تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة:187)
وأيضا من صور الورع أن يتوقف الإنسان عن التطرق لحديث أو موقف يخشى أن يتحول المجلس من ورائه إلى غيبة.
وأيضا من صور ذلك أن يتوقف المرء عن معاملة مصرفية تدور حولها الشكوك وعليها خلاف.
ومن أمثال هذا و ذاك من صور أن يدع المرء ما يَريبه إلى ما لا يَريبه.
قال سفيان الثوري -رحمه الله تعالى-: ما رأيت أسهل من الورع، ما حاكَ في نفسك فاتركه.
?
تورَّع ودعْ ما قد يَريبك كلَّه**جميعًا إلى ما لا يَريبك تسلمِ.
وحافظْ على أعضائِك السبعِ جملةً**وراعِ حقوقَ الله في كلِّ مسلمِ.
?