قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

وظيفة العمر

المحتويات:

وظيفة العمر

هل تعرف ما هي وظيفة العمر؟

وكيف يمضي عمرك قبل معرفتها؟

وهل تشعر أنك قمت بها كما يجب؟

يعرِّفك إياها ابن رجب رحمه الله بقوله: «التـوبة وظيفة العمر»..

فما أجمل أن تعمر الأوقات بتحقيق هذه الغاية الحياتيَّة العظيمة، ويا حسرة لأقوامٍ يلقون الله غدًا قبل معرفتها وتحقيقها!

أتدري أيُّ شيءٍ هي منزلة التوبة؟

يقول ابن القيم في مدارج السالكين:«فمنزلُ التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به، واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31] ».

التوبة هي من أفعال عباد الله المتقين، فالمؤمن ليس معصوماً ولكنه أواب يندم على المعصية ولا يصر عليها.

وأكمل الخلق -صلى الله عليه وسلم- كان أكملهم توبة وأكثرهم استغفارًا ففي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: « يَا أَيهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى الله فَإِنِّي أَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مائَة مرّة »

«وحقيقة التوبة: هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل.

وهذه ثلاثة شروط للتوبة، تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التوبة، فإنه في ذلك الوقت يندم، ويقلع، ويعزم».

 

 

وهاك صورة نبويَّة جليلة، يصورها لنا نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، يتبيَّن معها قدر التوبة عند الله، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح»متفق عليه.

صورة لا كالصور! وقيمة لا يعدلها شيءٌ! إذ لا شيء أعظم تصويرًا لمقام التوبة من هذه الصورة ..

فنحن عباده الضعفاء المساكين المحتاجون إليه أشد الحاجة، والمفتقرون إليه أعظم الافتقار يدعونا للتوبة إليه، ويفرح بتوبتنا ما أعظمه سبحانه! بل وفرحه «أعظم ما يكون من الفرح وأكمله»، وهو أشدُّ فرحًا ممن أشرف على الهلاك وعاين الموت فإذا النجاة بين عينيه تلوح، «فأي فرحة تعدل فرحة هذا؟ ولو كان في الوجود فرحٌ أعظم من هذا لمثَّل به النبي صلى الله عليه وسلم» .

فكيف يدعونا الغفور الرحيم ويفرح بتوبتنا اللطيف فلا ننيب إليه؟ ولا نهرع للانكسار ببابه؟ والخضوع بين يديه؟ ولا نسكب الدموع في سبيل عفوه ومغفرته؟

قف بالخـــــضــــــوع ونــادِ يا الله إن الكريم يجيب من نــــــــــــاداهُ
واطلب بطاعته رضاه فلم يزل بالجود يرضي طالبين رضاه
واسألــــه مغفــــرة وفضــــــــــلا إنَّــــه    مبسوطتــان لسائليـــــه يــــــــداه

 

فمهما تجاوز العبد وعصى فلا ييأس من مغفرة الله الواسعة، ورحمته العظيمة فالله ذو الجود والكرم قد قال في كتابه العزيز: (قلْ يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم)  [ الزمر: 53].

البدار البدارِ ما دمت في زمن المهلة والسعة، وإياك والتسويف والتأخير، فإنه يجلب الندم والحسرة في ساعة لا ينفع معها ندمٌ ولا دمعة!

يقول ابن رجب: «اعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقع أمله في الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجِّيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، فندم حينئذٍ على تفريطه ندامةً يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحًا فلا يجاب إلى شيءٍ من ذلك، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت»، وما أجمل المؤمن حين يجعل شعاره في حياته: (وعجلت إليك ربِّ لترضى) [طه: 16] ..

 

أعاذنا الله الكريم بكرمه من كل خزيٍ وحسرةٍ وندامةٍ، ووفقنا إلى المسارعة إلى مرضاته، حتى نلقاه بنفسٍ مطمئنةٍ تذوق برد رضاه .. والحمد لله رب العالمين ..

من منتجاتنا

No data was found