صلاة الجمعة من شعائر الله الزمانية التي عظمَّها الله تعالى وأمر بتعظيمها.
جمعنا لكم بعضًا من الفضائل والأحكام المتعلّقة بالجمعة والتي تتكرر كلَّ أسبوع، تهم الحاجة إلى معرفة المسلم ماذا يفعل فيها على بصيرة؛ ليعبد الإنسانُ ربَّه على بصيرة.
تأمل في الغايات والأسرار من فرضية صلاة الجمعة على المسلمين
يقول ابن كثير:
إنما سُميت الجُمعة جُمعة، لأنها مشتقة من الجمع، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة، وفيه كمل جميع الخلائق، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين يجتمعون فيه على الذكر والصلاة في الدنيا، ويوم كرامة ورفعة لهم في الآخرة.
ادّخره الله تعالى للمسلمين عبر العصور الماضية إلى مبعثهم جميعا واختَّصَهُم به، وفتح لهم أبواب الرحمة، وأَوسَعَ لهم الخير.
فللجمعة فضائل كثيرة،
وثبت أن الأمم قبلنا أُمروا به فضَلُّوا عنه فهدانا الله إليه،
فالناس لنا فيه تبع، لليهود السبت، وللنصارى الأحد.
فما هي فضائل يوم الجمعة؟
- الجمعة أعظم أيام الأسبوع
قال النبي : «خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة». (صحيح مسلم).
خروج آدم من الجنَّة هو سبب الذُّريّة وهذا النَّسل العظيم، ووجود الرسل والأنبياء، ولأنَّ لأحداث الساعة شأنًا عظيمًا، فهي سبب لتعجيل الله وعْده لأهل الإيمان، وظهور جزاء المؤمنين وإظهار كرامتهم وشَرفِهم.\
- الجمعة يوم عيد
فهو يومُ عيد للمسلمين يتكرّر في كل أسبوع وهو يوم سرور وفرح لهم، لما فيه من خيرية وأفضلية على سائر الأيام.
عن ابن عباسٍ أن رسول الله قال:
«إن هذا يوم عيدٍ جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيبٌ فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواك».
(صحيح ابن ماجه للألباني).
- فضل الخُطى إلى الجمعة
عن أوس أن رسول الله قال:
«مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».
(صحيح ابن ماجه للألباني).
فضل عظيم يقول عنه الأئمة: “لا نعلم حديثًا في الشريعة يحتوي على مثل هذا الفضل”.
فلعلك تكون جادّا في تحصيل ذلك، ولو في بعض الجُمُعات، محتسبًا الأجر عند الله تعالى، تخطو تلك الخطوات، مطبقًا شروط هذا الحديث، فتحظى بهذا الفضل العظيم.
- الجمعة كفَّارة للذنوب
عن أبي هريرة أن رسول الله كان يقول: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان: مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتُنِبَ الكَبائِرُ».
(صحيح مسلم).
وهذا الباب ((أي ما بين الجُمعتين من زمان)) من ثلاثة أبواب لتكفير للخطايا فرصة ذهبية! وهو يُكَفِر ما لا يمكن أن تشمله الكَفّارات في هذه الأعمال، فإذا كان لا ذنب عليه وكُفِرَت كل الصغائر، فإنها يحيلها الله تعالى إلى ثواب وأجر، فإذا وافق العبد أن كان لا ذنب له يغفر، فإن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، بل يكون ذلك سببًا لمزيد فضل وعظيم أجر وثواب من الله تعالى على عمله.
- ثواب التبكير
قال رسول الله :
«مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة،
ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة،
ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
إن الإنسان ليستحيي أن يكون نصيبه البيضة!
في حين أن كبارًا ومرضى حازوا على نصيب البَدَنة والبقرة! فتأمَّل.. هل حاولت أن يكون لك النصيب الوافر من الساعات الأولى في هذا اليوم المبارك ولو في بعض الجُمعات؟
- الملائكة تكتب أسماء المصلين
قال رسول الله :
«إذا كان يوم الجُمُعة كان على كل بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يكتبونَ الأوَّلَ فالأولَ، فإذا جَلَسَ الإمامُ طَوَوْا الصُحفَ وجَاؤوا يستمعونَ الذِكرَ».
(صحيح البخاري).
فما الذي في الدنيا من شغل يؤخرك عن الجُمعة وأن تحضر الصلاة متأخرًا وتُفوت هذا الفضل العظيم في أن تكتب اسمك الملائكة؟ فتأمل كثيرًا في مجيئك إلى الجُمُعة، أين كُتِبَ اسمُكَ؟ وإن كان كُلٌّ له فضله وأجره؛ لكن أول القائمة يختلف عن آخرها، فاحرص أن يُكْتبَ اسمُكَ مع السابقين، والمبادرين، فمن فعل السبب رُزِقَ الجزاء.
- يوم الجمعة فيه ساعة إجابة
فساعة الإجابةِ مُستراحُكَ.. وقَد أتتك بعد كفاح أسبوعٍ كامل، فَلا تفوتك دونَ أنْ تَدعو، وتسأل الله كل شَيء!
عن رسول الله أنه قال:
«يوم الجُمُعة ثِنتَا عشرة – يُريدُ ساعةً – لا يُوجدُ مُسلمٌ يسألُ اللهَ عز َوجلَ شيئًا، إلا آتاهُ اللهُ عزََ وجلَّ، فالتَمِسوها آخرَ ساعةٍ بعد العَصرِ».
(صحيح أبي داود).
قد علمنا ما للجمعة من فضائل، فوجب علينا أن نبادر لمعرفة أحكامها لتستقيم صلاتنا وسَعْيَنا إليها..
فما هي أهمُ أحكام صلاة الجُمُعة؟
- حُكم صلاة الجُمُعة
صلاة الجمعة واجبة وهي فرْض عَين على كلِّ مسلم مستوفٍ لشروطَها
(ذكر -بالغ – عاقل- مقيم [أي غير مسافر])، ويَكفر جاحد فرضيَّتها؛ لأنَّها من المعلوم من الدِّين بالضرورة وذلك بإجماع المذاهب الأربعة.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
[الجمعة: ٩].
والأمرُ بالسعي”فاسْعَوا” يقتضي هنا الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، فلو لم تكن واجبةً، لَمَا نهى عن البيع من أجلها.
وقال صلى الله عليه وسلم:
«رواح الجُمُعة واجبٌ على كل مسلم». - وقت الجُمُعة وأدائها
وقت الجُمعة هو وقت الظهر وهي ركعتان يجهر فيهما الإمام.
*ومن أدرك الإمام قبل أن يرفع من ركوع الركعة الثانية فقد أدرك صلاة الجُمعة.
لكن عليه أن يُضيف ركعة أخرى لكي يُتمّها ركعتين
*ومن أدركه بعد أن يرفع من ركوع الركعة الثانية فقد فاتته صلاة الجُمعة وعليه أن يعيدها.
فيدخل مع المُصلّين ثم يقضيها ظُهرًا أربع ركعات بعد سلام الإمام.
ومَنْ حضر الجُمعة متأخرًا:
فلا يتخطّى الرِقاب (أيْ الجالسين).
ولا يجلس حتى يُصلي ركعتين. - مَن تسقط عنه الجُمُعة
لا تجب صلاة الجمعة على:
المرأة، والصبي، والمريض الذي يشق عليه الذهاب إلى المسجد، والمسافر.
وأصحاب الأعذار الشرعية:
-كمن يقوم برعاية المريض، إذا كان وجوده بجواره وقت صلاة الجمعة ضروريّا،
-وكمن يخاف من ظالم،
أو المَدين المعسِر الذي يخاف من الحبس،
أو مطر غزير أو وحل شديد يمنع الخروج إلى المسجد، أو ما شابه ذلك من الأعذار.
ولهم أن يصلُّوا الظهر قبل صلاة الإمام في الجمعة؛ لأنهم لم يخاطَبوا بالجمعة؛ فصحت منهم صلاة الظُّهر.
وفي هذا الحكم بعض المُلاحظات
–——————————————
1. يجوز السَّفر يوم الجمعة قبل دخول وقتها أو بعد دخولِه؛ لعدم المانع من ذلك، لكن إنْ أذِنَ للصَّلاةِ – وهو ما زالَ في الحي السكني الذي يسكنه: وجبَ عليه السَّعيُ للجمعةِ، ولا يجوزُ السَّفرُ لمن وجبتْ عليه الجمعة، وذلك بعد سماعِه الأذانَ، إلا أن يخشى مَضَرَّةً.
2. يُكرَه كراهةً شديدةً الانشغالُ بطلب المالِ عن حضور الجمعةِ، ولا يكونُ انشغالُه بالمال عذرًا لترك الجمعة،
وإن كان خارجًا عن بلدِ إقامتِه.
3. سبق أنْ بيَّنَّا الذين لا تجب عليهم الجمعةُ، ولكنْ لو صلاَّها أحدٌ منهم: صحَّتْ صلاتُه وسقَطَ الفرضُ، وكذلك لو صلى أحدهم إماماً للجمعة (كالمريض والمسافر والعبد والصبي): صحَّتْ إمامتُهم، وصحَّتِ الجمعةُ.
–———————————
- غُسل الجُمُعة
حكمه: ثبت أنه سنة مؤكدة عن نبينا الكريم فيُستحب للمسلم أن يغتسل ويَتطيَّبَ ويرتدي أفضل الثياب لحضورها.
جاء عن بن سُلَيمٍ الأنصاريِّ أن رسولِ اللهِ
قال: «الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ، وأن يَستنَّ، وأنْ يمسَّ طِيبًا إنْ وَجَد».
(صحيح البخاري)
وقته: يبدأ من أول فجر يوم الجمعة وذلك جائز، لكن العلماء قالوا: إن غُسل الجمعة عند الذهاب إليها أفضل.
فإذا كنت تريد الذهاب إلى الجمعة في الساعة العاشرة مثلاً، فالأفضل أن تؤخر الغُسل إلى العاشرة فتغتسل وتخرج للمسجد.
- الإنصات لخطبة الجُمُعة
حال المسلم عند خطبة الجمعة كحاله في الصلاة لا يتكلم ولا يكلم غيره ولا يتشاغل بأي شيء عن سماع الخطبة والإنصات لها، لقول رسول الله
«إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصِتْ، والإمام يخطب، فقد لغَوْتَ».
(صحيح البخاري)
لَغَوْتَ: أي أتى بقول ساقط، ليس فيه فائدة، والمراد أنه تذهب به فضيلة الجمعة.
فينبغي لمن دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلِّيَ ركعتين تحية المسجد، ثم يجلس وينصت للإمام، ولا يلقي السلام على أي أحد أثناء الخطبة، حتى لو عطس فليحمِد الله في سرِّه، وإذا ألقى عليه أحدٌ السلامَ لا يردُّ عليه بالقول، ولكن يشيرُ بيده، وإذا عطس أحدٌ فلا يشمِّته.
تلخيص لأحكام صلاة الجمعة
١- صلاة الجمعة فرض عينٍ على كلّ مسلمٍ ذكرٍ بالغ عاقل،
مع حضور القدرة على إتيانها، والإقامة في البلد.
٢- ترك الجمعة لا يجوز، وصاحبها على خطر، إذا تعمد تركها.
وهي ليست بديلاً عن صلاة الظهر، ومن تفُته الصلاة عليه قضاؤها ظُهرًا (أي ٤ ركعات).
٣- الاغتسال وأخذ شيءٍ من الطّيب ولبس أجمل الثياب قبل الذهاب إلى المسجد.
٤- الحرص على الحضور المبكّر إلى مصلّى الجمعة، وإدراك خُطبة الإمام من أوّلها.
٥- الاقتراب من الإمام للتواجد في الصف الأول، ولكن دون التّسبب بأذيّة أحدٍ من المصلّين.
٦- الإقبال على استماع الخُطبة من الإمام، وعدم الانشغال
بأيّ كلامٍ أو عملٍ أثناءها.
خطورة التهاون عن أداء صلاة الجمعة
قال النبي :
«مَنْ تَرَك ثَلاثَ جُمعَاتٍ مِن غَيرِ عُذرٍ،
كُتِبَ مِنَ المُنافِقِين».
(صحيح الجامع)
«مَنْ تَرَكَ الجمعةَ ثلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
طُبِعَ عَلى قَلْبِهِ».
(رواه الترمذي)
فمن تركها ثلاثاً عن تكاسل وعدم جدٍ في أدائها طبع الله على قلبه، وكُتِب من المنافقين.
قال ابن العربي: إن معنى طُبِعَ على قلبه أي ختم على قلبه بمنع إيصال الخير إليه.
همسة في أذن تارك الجُمُعة
إن اعتيادك لترك الجُمعات يُغلّب الرين على قلبك، ويُزهد في الطاعات ويكون سببًا في إعراض الله وعدم توفيقه للعبد في حياته، ويشهد لذلك الأحاديث التي ذكرناها، وأيضًا ما قَاله رسولُ الله :
«لَيَنتهِينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعاتِ، أو لَيختمنَّ اللهُ على قلوبِهم، ثم لَيكونُنَّ مِنَ الغافلِينَ».
فانظر معي في هذه العقوبة القلبية، يُصبح قلب العبد في شتات لا يعرف معروفًا ولا يُنكر مُنكرًا!
وهي والله أشدُّ من العقوبة الجسدية بالسجن أو الجلد وهي كبيرة من كبائر الذنوب، فليس بعد كل هذا التهديد والوعيد في تركها من غير عذر ألا يُحرك قلبه لتقوى الله، وأن يُضيع فريضة من فرائضه، فيُعرض نفسه لعقاب الله وسخطه، وألا يحافظ على ما أوجب الله عليه ليفوز بثوابه ورضاه.
حل مشكلة التأخر عن الجُمُعة
أسباب التأخُّر
- الجهل بوجوب فرض الجمعة وأهميتها.
- ضعف الوازع الديني وعدم الاكتراث بالجمعة بحجّة العمل أو لأي سبب كان.
- السهر ليلة الجمعة والنوم المتأخر.
العلاج
- التوبة والاستغفار والدعاء للَّه بالتوفيق للتبكير.
- التعرُّف على فضل وأحكام صلاة الجُمعة.
- النوم المُبكر والحرص على التجهز المبكر.
- ما يُعينك للحفاظ على صلاة الجمعة
- إخلاص النيّة لله ومجهادة النفس على التبكير وضرورة حضور الخُطبة.
- اختيار صحبة رفقاء صالحين.
- قراءة نماذج السلف في التبكير لرفع الهمة.
فيا أيُّها المسلم المُحب للَّه..
بعد أن استشعرت قَدْر الجُمُعة عند الله عزَّ وجلَّ، ينبغي عليك أن تبادُر لما يحبه ليُقرّبك منه وتَنَل رضاه..
وأن تعلم أن حياتك كلها عبادة للَّه
عزَّ وجلَّ وليس الجُمُعة فقط!
وليس هناك يوم خاص للعبادة، فالمسلم في عبادة للَّه في كل وقت، ولكن هذا اليوم الذي اختص الله به الأمة، أمة نبينا محمد وفضّله على سائر أيام الأسبوع يجب أن نُعظمّه كما عظمه الله عزَّ وجلَّ لتعبُده على بصيرة وتنَلْ محبته وتسعد في الدارين.