رسائل إلى الطبيبة المسلمة
بين الكثير من الأوبئة من أمراضِ أبدان و عقول و قلوب، أنتِ شذا الأريج …
بعبقِ المسك الطاهر تتغلغلين في حياة البشر …
تُضيفين رونقاً طيباً …
تلك الرائحة لن تنبعث إلا من طبيبةٍ داعية، تعلم أن العلاج غير كافٍ ما باتت الروح تائهة عن الله.
في منتصف الوجع وأعلى ذروته تُلهمين من حولك بالذكر. عندهم الله بأسمائه كلها … عندهم الوحي بشفائه كله.
تعرفتُ على مثال طبيبة شذا المسك هذه وأنا متدربة في وحدة حجز المرضى أثناء مرور الطبيبة المسؤولة. سألََتْ كما العادة عن وضع المريض وانتهَت من فحصه ثم أردفت قائلة : الآن يُمكنك أن تتوضأ وتُصلي جالساً. فقلت في نفسي حينها رُبما سألها مسبقاً عن صلاته.
حتى مرت بالمريضة الأخرى، وبعد أن أنهت مهمتها الطبية أخبرتها بأنها تستطيع الوضوء والقيام بكل أركان الصلاة وأمرت الممرضة بإحضار سجادة صلاة للغرفة.
لما لفتني ذلك المنظر، نظرَت إلي وأخبرتني : يا دكتورة، على عاتقك صلاةُ مرضاكِ فاحرصي على آخرتهم ولا تلهك دنياهم.
أعتقد أنها كانت أثمن نصيحة من طبيبة.
من تتملكهم أمورُ الآخرة تمتلئ الأماكن بعبق رائحتهم حتى تنتهي إلى قبورٍ فواحةٍ بالمسك.
رسائل إلى الطبيبة المسلمة
لَن أُخفيكِ سراً، أنتِ حتماً تُدركين قدر الألم.
إنهاكُ روحك كل مساء، يتبعه آثار الإجهاد في عينيك كل صباح حين ترين نفسك في مرآتك فلا تجدين سوى الشحوب.
كلماتُ المواساة غالباً ما عادت تجدي و إبداء الأسف والشفقة على حالك بات أمراً روتينياً لمن هم حولك.
تتشبثين بخيط رفيع من قلبك للسماء يُمثل يقينك أن ما عند الله خير وأبقى.
في أحد الأصباح وأنا أتفقد حبلي وهو على وشك التمزق التام، أدركت أن عدم الشعور بالألم أسوأ بكثير من عيشِه.
أضاء في صدري حباً لكل تلك الآلام.
غدوتُ فخورة بتلك الهالات السوداء حتى ما سعيت لإخفائها.
كل تلك الآثار ستشهدُ يوم القيامة بأنني كنتُ في الطريق جاهدة لك يا الله.
ذلك الشحوب دليلٌ على جهد هو أول العتبات للصعود.
أما الوجع فتستهويكِ مرارته إن جعلتِ منه طريقا للتقرب إلى الله.
الحُب ليس للضُّعفاء ولَم يكن لهم يوماً، فإن أحببت الله بصدقِ ترنمت بآهاتك في سبيله.
ذلكَ حبٌّ يدفعك للتفاني في مداواةِ عباده بكل إتقانٍ وإحسان، لأنهم أحباؤه. مهما بلغ الضعف منكِ مبلغه فأنت تبقين القوية بحبه.
#خواطر_رفيدة
رسائل إلى الطبيبة المسلمة
في نهايةِ الدوام يكون قد امتلأ جوفك بالعديدِ من القصص، قد شاركتِ في كتابة كثيرٍ من أحداث القصص البشرية اليوم، وقد كان لك الدور الدرامي الأساسي.
كونك تمثلين المداوية لمن هم في أشد الحاجة للدواء،
حسـنٌ ذلك،
ولكن بعد المشاركة في الكثير من القصص، ستذبل روحك حتماً ويرهق جسدك من تقلبات المشاعر وأضداد الأدوار.
تارةً صارمة في نصح هذا وتارة لطيفة لإرشاد تلك. في دقيقة تنعين المتوفى لأهله بكل أسى على الفاجعة وفِي الدقيقة التي تليها ترسمين ابتسامة نقية وأنتِ تبشرين أحدهم بشفائه.
وينتهي اليوم ويا له من يوم، كان أياماً عديدة لأناسٍ كثر في يومك الواحد. والآن حان دور قصتك، يجدر بك أن تنخلعي من كل تلك القصص لتعيشي قصتك الخاصة.
ولن تتجدد مشاعرك ولا عطاؤك ولن تتقني دور الأُم والزوجة والأخت والابنة ما لم تعيدي ربيع روحك.
وسبحانه العالم بضعفك قد شرع لكِ ٢٪ من وقتك لتقواكِ وقوتك.
لإعادة ضبط البوصلة، وتعبئة وقودِ العزم.
تلك صلاتُك، وصلتك بالقوي.
أما من اتصل بالقوي، فمَن يهزمه ؟
قد دعاكِ لمأدبةٍ وغيث.
حَوَت كل ألوان العطايا وشملت كل الملاذِّ.
ليُضفي عليكِ نوراً خاصاً تتصل فيه روحك بوحي السماء.
حتى إنه ليُشرق المحيا ويضيء الثغر لنوره.
ثم يمدك بالقوةِ والثبات ليزيل ما أرهق روحَك من الألم ويطهر إصابات الجروح.
“فيصدر المدعو من هذه المأدبة و قد أشبعه و قد أشبعه و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه
لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ، و قحطُ النفوس متوالياً عليها ، جدّد له الدعوة إلى هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ، و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ، و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ، و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ، فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ، يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ، و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.”
رسائل إلى الطبيبة المسلمة
تلك العتمة التي تبتلع كل العالم من حولك
إلا من ضوءٍ خافت والكثير من الأوراق المبعثرة
حتماً ستنجلي
كلُّ الأغلال الورقية
قيودُ العلم التي حاصرت رأسك
حتى جعلت منه استنساخاً لرؤوس المئات
كوعاء يُملأ ثم يُفرغ في أوراق الاختبار
ثم تلك الفجوة بينك وبين كل من اعتدتهم
تزداد اتساعاً
وتضيق بك
حتى إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت
وضاقت عليك نفسك
أيقنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه
فإذا بك مُحاط بفوهة كبيرة
تحتم عليك المكوث
إقامة جبرية
حتى تأذن الجداول بالخَلاص
وتعود
ولا تعود الصداقات
ولا يعود الود
فقد افتقدوك وهم في حاجتك
وقد كنت في عِز الوجع ولم يعلموا
ولا عِتاب
فما أنت فيه يصعب عليهم مجرد تخيله
وتبقى صابرا
برضى وسعة صدر
تعيدُ بناءَ كل ذلك الهدم
تـداوي كما العهد
وتبتسم عند ذكر الأجر
والجنة
وغمستها
والنبي
والأحباب
واللقاءات السرمدية
وتعتم من جديد …
#ليالِ_اختبارات
رسائل إلى الطبيبة المسلمة
في قاعةِ الاختبار
لا تستسغ غش من حولك
حتى وإن غلبتك الشفقة للحالِ الذي يستحق الرثاء
لا تنسى أبداً “من غشنا فليس منا”
تسقط كل المبررات أمام أن يخرج المرء من “مَن النبي ﷺ “
…
وفِي إتمام أوراقك
اسعَ بتمام الرضى بأيِّ تعقيد وأي خائبة
واتبع في سعيك كل مشروع
فلن يُخطئك قدرك برشوةِ أحدهم
…
ثم وأنت في العيادة
تفحص ذلك المريض
فأنت ترى منه ما لا يرى غيرك
اعلم أن عين الله فوقك
يراك ويلحظ سكناتك من عرشه
ويرى ما تخطه بقلمك
فتحرى الدواء الأنسب لمريضك
…
رزقك مُحال أن يخطئك.
{ والعلامات الدراسية رزق، وتخصصك رزق، و عائدك المادي رزق، وكل ذلك منه}.
“ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ”.
#طاعته_أنفع_لنا
رسائل إلى الطبيبة المسلمة
أحدثك صدقاً عن عهودنا
قبل أن ترى عيناكِ علامات اختباراتك وقبل أن تطلع مقلتاك لنظرة الامتنان في عيني مريضك أو التقدير من عيني مُعلمك،
قبل أن ترى عيناكِ التقييمات البشرية، لابد أن تري ببصيرتكِ التقييمات السماوية.
التقييم البشري فانٍ لا ريب، أما التقييم الإلهي فهو نتيجتك الصادقة.
حينها لن تكترثي كثيراً بتقييمات البشر.
لا تغرك ولا تحبطك، سيان عندك السلبي و الإيجابي فذلك لن يغير من حقيقة تقييمك في السماء.
قد قيم قومُ نوح نبيهم حين شرع ببناء سفينة في الصحراء بأنه خفيف العقل، أما في السماء فهو من أولي العزمِ من الرسل.
أصدقُك قولاً مهما بلغتِ الرِّفعة عند البشر لن تَهون عليكِ نقطة من بحر جهدك … فالتعب لا يَهون إلا عند عتبات الجنة.
فلتكن عيناكِ لما يُقال عنكِ في السماء.
وذلك أجدى للإخلاص.
اجتهدي ولسان حالك “فِداكَ سعيي وكل نفسي”.