قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

خطبة الحرم: العبودية الحقة

المحتويات:

خطبة الحرم: العبودية الحقة

مقتطفات من خطبة يوم الجمعة في الحرم المكي خطب بها فضلية الشيخ د. ماهر المعيقلي

٢٩ شعبان ١٤٤٣

الخطبة الأولى

  • إن غاية خلق الإنسان أن يعبد خالقه جل جلاله ، وعلى مدار العبادة ينبغي أن تقوم حياة العبد كلها .
    ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾
  • فطر سبحانه بني آدم على عبادته ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾
  • عبادة الله تعالى أشرف المقامات وأسمى المبتغيات ، نعت بها الملائكة المقربين ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُوْنَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾
  • شرف سبحانه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية وهو في أعلى مقامات الأصفياء وقد أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ﴿ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـاتِنَا﴾
  • من أجل تحقيق العبودية أنزل الله كتبه وبعث أنبيائه ورسله مبشرين ومنذرين ليخرجوا الناس من ظلمات الجهل إلى نور هذا الدين ، فأكمل الخلق وأفضلهم وأقربهم الى الله وأحبهم هم أهداهم وأتمهم عبودية ،فربنا عز شأنه يحب عباده المتقين وهو غني عنهم .
  • في صحيح مسلم ، يقول الله عز وجل ، في الحديث القدسي ـ: ((يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوْا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا …. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)).

الخطبة الثانية:

  • معاشر المؤمنين إن الذنوب والمعاصي تقسي القلب، وتصرف صاحبها عن أبواب الخير، فلنقدم بين يدي رمضان توبة صادقة، فباب التوبة مفتوح وفضل الرب جل جلاله يغدو ويروح، يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ومن رحمته ينادي عباده فيقول: { ۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ } [سُورَةُ الزُّمَرِ: ٥٣]، فإن كانت الإساءة منا كثيرة، فعفو الله أكثر، وإن كان الزلل منا عظيماً فمغفرته أعظم، وإن كثرت منا الخطايا فرحمته أوسع ففي سنن الترمذي يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ! لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً).
  • وإن من خير ما تستقبل به رمضان تنقية النفوس من الشحناء والكراهية والبغضاء، فرمضان موسم الصفح والغفران، فربنا تعالى عفو يحب العفو وأهل العفو، فمن أراد أن يعفو الله عنه فليعف عن خلقه، ومن أحب أن يتجاوز الله عنه فليتجاوز عن عباده، فمن عامل الخلق باليسر والمسامحة عامله الخالق بمثل ذلك في الدنيا والآخرة، والعفو في حق الأقربين آكد لما تقتضي القرابة من المخالفة وما يتبع ذلك من حصول الإساءة.
  • أخوة الإيمان إن شهر الصيام شهر العتق من النيران، فلله تعالى عتقاء من النار في كل يوم وليلة من رمضان، فلنجتهد ما استطعنا في اعتاق رقابنا، ولنري الكريم المنان من أنفسنا خيراً بالتقرب إليه بأنواع الطاعات من الفرائض والمستحبات، فالمحروم من حُرِم المغفرة في رمضان، ففي سن الترمذي: (ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ) ، أي التصق بالتراب كناية عن الخسارة والهوان.
  • وأما ثواب الصائمين فذلك مرده إلى الله تعالى، وقد وعد الله تعالى أن يوفى الصابرون أجرهم يوم القيامة بغير حساب، فالصيام من أعظم أنواع الصبر، ولا يعلم إلا الله مقدار ثوابه ومضاعفة حسناته ففي الصحيحين قالَ اللَّهُ تعالى في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به).
  • إن شهر رمضان شهر لتزكية النفوس وتربيتها، وهو ميدان للاجتهاد في الطاعات وتحصيل المحاسن والخيرات، والبعد عن المعاصي ومساوئ العادات، فلا يصح أن يتخذ الصيام ذريعة للتقصير في العمل، أو أن يكون ذريعة للتراخي والكسل، وحري بالمؤمن أن يستحضر ثواب النية الصالحة واحتساب الأجر على الله، فكل في ميدانه فالطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات في تحصيل العلم ونشره، ومنسوبو القطاع الصحي في حفظ البدن ووقايته، ورجال أمننا في المحافظة على الأمن، والمرابطون في دفاعهم عن الوطن، وكل من كلف بواجب فعليه أداءه بصدق ونزاهة واخلاص وأمانة، وذاك يدخل في معنى التقوى التي هي غاية الصيام وحكمته، قال تعالى: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ } [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٨٣].
  • وحري بالآباء والأمهات والمدربين والمربيات أن يغرسوا المفاهيم السليمة الصحيحة في نفوس الأبناء، لنخرج جيلاً صالحاً محباً للخير وأهله نافعاً لوطنه وأمته.
  • اللهم بلغنا برحمتك شهر رمضان، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم سلمه لنا وسلمنا له وتسلمه منا مستقبلاً يارب العالمين.

من منتجاتنا

No data was found