مقتطفات من خطبة الجمعة في الحرم المكي
خطب بها فضلية الشيخ أ.د. عبدالرحمن السديس
١٤ ربيع الثاني ١٤٤٣
موضوع الخطبة: الإفك والافتراء
الخطبة الأولى:
أمة الإسلام وكيف يسلم البرآء من النيل والافتراء وقد تطاول السفهاء على خالقهم بنسبة الولد إليه تعالى الله عما يقولون الظالمون علواً كبيراً.
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ فبكتهم الجبار بقوله ﴿وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾
وقالوا الملائكة بنات الله جل وعلا الله ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾
وتطاول المفترون على الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهذا نبي الله نوح عليه السلام رموه قومه بالضلال ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾
وهود عليه السلام نسبوا إليه السفاهة والكذب ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾
ونبي الله إبراهيم عليه السلام كاد له قومه بالحرق ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . ﴾
ونبي الله يوسف عليه السلام كاد له إخوته فألقوه في الجب وحيداً فألقي في السجن ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
ونبي الله شعيب عليه السلام استضعفته مدين وهمت برجمه ﴿إنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفًا ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾
وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تطاول عليه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام الجاحدون الألداء الجاهلون الأعداء وإلى عصرنا الراهن عصر الحريات الزيفاء نالوا من رسالته ومعجزاته وأخلاقه وقالوا وبئس ما قالوا ساحرٌ أو مجنون كاذبٌ وشاعرٌ وكاهن ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ﴾
وكل الأنبياء والمرسلين نجاهم الباري سبحانه وأهلك مناوئيهم وشانئيهم ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
كما نال الوضعاء والكاذبون من الصحابة الكرام وفي تزكية قدرهم وإعلاء أمرهم يقول الحق سبحانه
وهل تنسى الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها التي عانت الشواق فبرأها الله من فوق السبع الطباق .
إخوة الإيمان ودون مسامعكم ما كابده الأئمة الأجلاء والعلماء النبلاء رحمهم الله .
ومنهم إمام أهل السنة والجماعة أحمد ابن حنبل رحمه الله فقد لقي من الكيد والنيل أصنافاً فلا استكان ولا انصاع بل ثبت على الحق متوكلاً على الله، فبارك الله علمه و موقفه فانتشر في كل المدائن و الأصقاع.
شيخ الإسلام ابن تيمية وحيد عصره وفريد دهره من نصر الله به الملة وأحيا به السنة، أضمر له فئام الكيد والعداء ورشقوه بالحشو والتجسيم ولأنه تصدى لكل بدعة وإفساد.
فنصره الله على أهل الأهواء الحساد وانتفعت الأمم بعلمه وانتشر وساد .
وكذا ما لقي الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم رحمهم الله رحمة واسعة
أيها المسلمون، ومن الذين نالتهم الألسن الحساد مجدد القرن الثاني عشر وما بعده من أئمة الدعوة السلفية الإصلاحية الوسيطة وباعث العقيدة الصافية السنية فقد لقوا من قادة السوء والتشنيع الأمر الفضيع، سطروا في تجهيلهم وبطلان دليلهم. فصبروا واحتسبوا وبلغهم المولى أعلى المقاصد والرتب وعمت دعوتهم الدول والمجتمعات والأمم والأقليات.
فها هو العالم اليوم وفي صدارته بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله حارسة دعوتهم، يتفيئون ضلال العقيدة الصحيحة الصافية ودعوتهم السنية السلفية السنية المباركة
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
وفي هذا الأوان، التاريخ يعيد سيرته، فما ينطق بالحق صوت مصداع إلا طار النزقة إلى الشبكات ووسائل التواصل يبثون الكذب والإرجاء، يلزمون العلماء والأخيار والمصلحين يجمون صوب إنجازاتهم ويتغافلون عن جميع حسناتهم، يضخمون هفواتهم ويتصاممون عن إبداعاتهم
الخطبة الثانية:
ومما يجب التحذير منه والوصية باجتنابه والإعراض عما جاء فيه، المشبوه من مواقع التواصل الإجتماعي وشبكات المعلومات والإتصالات، فإنها الوسائل التي تلهب الأُوار وتذكي جمار النار بالوشايات والنكايات، مما يثير الكلوم والإِحن، والأقاويل الهدامة الفتاكة التي تثير النعرات الفردية والمجتمعية والإقليمية والمذهبية والطائفية، فكان لزاماً من تعقبها لهتك باطلها ونبذ عاطلها ليتميز النور من الديجور.
إن الحملات الإعلامية المغرضة المتزايدة ضد قبلة أهل الإسلام بلاد الحرمين الشريفين وقادتها الميامين الكرام وعلمائها الأباة الأعلام، لن تنال من عظمتها وشموخها شروى نقير ولا أقل من قطمير، فإن تعانق الأمة الحصيفة الأريبة مع قيادتها الحكيمة الرشيدة كتعانق الألف واللام على عقيدة صافية كمزن الغمام، لا يزيدها إلا منعةً وإباءً وشموخاً،
فولاتها، علماؤها، أبناؤها جبلوا على حب العقيدة والسنن،
أرسى قواعدها الإمامان فعلمها يمحو الضلال وسيفها يمحو الفتن،
ويهاب بالأمة عموماً والشباب خصوصاً أن ينزهوا أسماعهم وأبصارهم عن تلك الأكاذيب والأضاليل،،
ومما يزيد المؤمن توكلاً على الله وإيقاناً وتفاؤلاً بجميل لطفه وإيماناً أن الحق في هذه الأمة المباركة سرمداً أبدياً متواصلاً، والذب عن أهله مشرقاً ماثلاً فلن يعدم منافحاً ومنصفاً وقائماً،
لابد إذاً من تعزيز ونشر ثقافة وقيم التسامح والتعايش والحوار والوسطية والاعتدال والمحبة والأمن والوئام والسلام، ومما يؤكد هنا أهمية سن الأنظمة الحازمة في ردع الخاصين الكذابين من ذوي الجرائم المعلوماتية، والأخذ على أيديهم، حتى تسلم المجتمعات والأوطان من غلواء شرورهم.
وحسب المسلم رضا رب العالمين فإذا رضي عنا فيا فوزنا،،
فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ
وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ
وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ
وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ
إنه الله حسبا وكفى، سلوتنا في حياتنا فكن على ثقة بالله دائمة فما أحد من ألسن الناس سالما،، فليرض عني الناس أو يسخطوا نحن لم نعد نسعى لغير رضاك،،
(فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ)
[سورة الروم 60]