قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

لماذا لا أحتفل بالمولد النبوي؟

المحتويات:

لماذا لا أحتفل بالمولد النبوي؟

بداية التساؤل…

سألت نفسي سؤالًا: *لماذا لا أحتفِلُ بمَولِد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ أيُعقَل أنَّ كلَّ المحتفِلين به على خطأ؟!*

لماذا لا نُعلِنُ حُبَّنا للرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم مثلَهم، ونُثبتُ لهم أننا نحِبُّه؟!

دعونا نحتفل؛ فقد يكون الحقُّ والصواب مع المحتفِلين!

فكَّرتُ وقدَّرتُ.. ثم قرَّرتُ أن *أبحث في موضوع الاحتفال* لعلي احتفل معهم إن كانوا على صواب..

لم يثبت يوم مولده!

أول ما شرعت بالبحث عنه هو ثبوت تاريخ مولده وقد وجدت أن علماء السِّيَر والتاريخ قد اختلفوا في تحديد سنة ولادته، وشهر ميلاده، ويومه وساعته!

فقلت: *إذن لماذا أحتفل في الثاني عشر ولا يوجد سند تاريخي يؤيده؟*

إن كتب السِّيَر والتاريخ بل وكتب الحديث الشريف أجمعت على أن ولادته صلَّى الله عليه وسلَّم كانت يوم الاثنين، وكان حبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم يصومه شكرًا لله؛ ولَمَّا سُئل عن ذلك قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.

ولم أجد فيها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتحرَّى صيام الثاني عشر من ربيع الأول مرةً في السنة، بل كان يصوم كل اثنين بمناسبة ولادته وبعثته فيه!

*لكنَّ كثيرًا من المحتفِلين بالمَولِد في كل عام مرة أو أكثر ربما لا يحرِصون على صوم يوم الاثنين من كلِّ أسبوع!* أليس هذا قلبًا للحقائق؟! ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.

ماذا ننوي من الاحتفال؟

ثم كرَّةً بعد مرَّة أُسائل نفسي: لماذا لا أحتفل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟

وقبل أن أجيب، جال بخاطري سؤال وأنا أفكر في الاحتفال بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو: *هل حينما نحتفل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نبتغي بذلك أجرًا وثوابًا وقُربى من الله؟* أم أننا نحتفل لمجرد العادات، وأكل الحلوى والرز بالحمص، والتلهِّي بالألحان الشجية المُطرِبة؟!

أظنُّ في الناس خيرًا، إنهم يَنشُدون بفعلهم هذا الأجرَ من الله تعالى.

عندئذ تذكرت حديث المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: *«من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ».* رواه الشيخان. وقوله: *«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»* متفق عليه.

نعم تذكرتُ هذين الحديثين، وتذكرتُ ما قرره العلماء من أن *جميع العبادات توقيفية*، أي: لا نعبدُ الله ولا نتقرَّبُ إليه إلا بما أمرنا به صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه قال: *«ما تركتُ شيئًا يُقرِّبُكم إلى الله إلَّا وأمرتُكم به»* رواه الطبراني.

فطَفِقتُ أبحث عن فِعلِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه والأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد -عليهم رحمة الله-، فهالني أنني لم أجد حديثًا واحدًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا بل ولا موضوعًا: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم احتفل بمَولِد نبيٍّ من الأنبياء، ولم أجد أثرًا واحدًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا بل ولا موضوعًا عن صحابيٍّ واحدٍ: أنَّه احتفل بمَولِد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل لم أجد إمامًا واحدًا من الأئمة الأربعة فَعَل ذلك.

فقلت: يا سبحان الله!

*أمرٌ لم يفعَلْه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم، ولا إمامٌ من الأئمة الأربعة المتبوعين، وأفعله أنا، لا واللهِ!*

القاعدة في العبادات: أن نتعبَّدَ لله بما شرعَ لا بالبِدَع، حتى لو بدا العمل حسنًا، فهو مردودٌ على صاحبه.

خِفتُ أن يَصدُقَ فيَّ قولُ الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.

وخَشيتُ أن يَصدُقَ فيَّ قولُ ابن مسعود رضي الله عنه: ((كم مِن مُريدٍ للخيرِ لا يُصيبُه))!

ولو كان في هذا الاحتفال خير، لسبقونا الصحابة إليه، ولاعتنوا بإثبات تاريخ مولده، كما اعتنوا بتوثيق أفعاله وأقواله صلى الله عليه وسلم أشد العناية.

من أين جاءت فكرة الاحتفال؟

هذه المرة سألت نفسي، من أين جاءت فكرة الاحتفال؟
وفيها تشبه واضح بالنصارى باحتفالهم بالمولد المزعوم لعيسى عليه السلام، عجباً أن نتشبه بقوم أمرنا أن نخالفهم!

وجدت بالبحث أن أوَّلُ مَن أحْدَثه وابتدَعه هم *الرافضةُ العُبَيديُّون* (الذين يُسمَّوْن زُورًا وتَلبيسًا بالفاطميِّين)، ثُمَّ أحيا *الصوفيةُ* مِن بعدِ ذلِك بِدعةَ الاحتِفالِ بيومِ مولدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم،

وكما هي عادةُ البِدعِ، لا تقِفُ عند حدٍّ؛ فقد دخلتْ على هذه الموالدِ بِدعٌ مُنكَرةٌ وأعمالٌ قبيحةٌ أخرى كالطَّبلِ والتمايُلِ والرَّقص، واختلاطِ الرِّجالِ بالنِّساءِ في بعض البلدان، وغيرِها من المعَاصي، وإلْقاءِ القَصائدِ الشِّركيَّةِ التي فيها استِغاثةٌ بغيرِ اللهِ تعالى، وإطراءٌ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم كإطراءِ النَّصارَى لعيسى ابنِ مَريمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

ومن عجيبِ ما قرأتُ ورأيتُ في بعض البلدان العربية والإسلامية أنَّهم يحتفلون بالمَولِد بإقامة حفلات غنائية أو إنشادية تصحبُها دفوف ومعازفُ موسيقية!
فقلت في نفسي: أليس المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قال: *«لَيكونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ، والخَمرَ والمعازِفَ»*؟ رواه البخاري تعليقًا ووصله غيره، وهو صحيح.

لقد رأيتُهم يتراقصون ويتمايلون ويتواثبون، لقد كانوا رجالًا ونساء، أيُعقَل هذا؟!

 تساءلت: أيرضى أحدُهم أن يراه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الحال؟!

يا راقصًا أو زاحفًا لتَعَبُّدِ * ما كان هذا من صنيعِ محمَّدِ
ما كان يرقُص بالدفوف عبادةً * أو كان يزحفُ للقبورِ بمسجِدِ

تخصيص يوم لمذاكرة فضله؟

ثم أعدت السؤال على نفسي مرةً أخرى: لماذا لا أحتفِل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بطريقة أخرى؛ بلا معازفَ، ولا رقصٍ، ولا بُرْدةٍ؟ سأفرح بيوم ميلاده صلَّى الله عليه وسلَّم، وسأحتفل بأن أخصص هذا اليوم لقراءة سيرته وتذكير الناس بفضله والصلاة عليه.
حسنًا.. 

 أمسكتُ بكتاب في السيرة النبوية وبدأت أقرأ فيه فاليوم هو الثاني عشر من ربيع الأول..لكنَّ شرد عقلي سابحًا في تفكير عميق: يا تُرى هل سأقتصر على قراءة كتب السير والشمائل المحمدية في هذا اليوم السنوي فقط؟! وبأي وجه خصصت هذا اليوم؟

يا الله! هل حبي وكثرة ذكري للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقط في هذا اليوم؟!

 ألست أحِبُّه وأذكره كل يوم؟! والمعلوم أن الأشياء التي تخصص لها أيام سنوية، هي الأشياء التي يخشى عليها النسيان ويرغب بإحيائها..وهل نسيناه حتى نتذكره؟وهل رسول الله صلى الله عليه وسلم كباقي الأشياء؟!
هل يجوز ألَّا نفرحَ به صلَّى الله عليه وسلَّم إلا مرة واحدة في السنة؟ هل هذه الطريقة فيها توقير للمصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم أم أنها إجحافٌ بحضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟

هل أصبح إظهار المحبَّةُ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يومًا في السنة؟! 
وهو القائل: «البخيلُ مَنْ ذُكِرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ».

وأعود فأقول، لم يخصص الصحابة رضوان الله عليهم يوم في السنة يتذاكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثابت أنه يوم وفاته

ومع ذلك أكملتُ قراءتي وأنهيتُ قراءة الغزوات وفَتْح مكة، وهأنذا قاربت من نهاية كتاب السيرة الذي بين يدي.إنها اللحظات الأخيرة الحَرِجة في حياته صلَّى الله عليه وسلَّم, إنها الساعة التي أظلم فيها كل شيء، ساعة وفاته صلَّى الله عليه وسلَّم!

إنها الداهية العظمى والمصيبة الكبرى التي قال لنا فيها صلَّى الله عليه وسلَّم: *«إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبتَه بِي؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ».*

حقًّا إنه يوم الخسران الأكبر؛ يوم أن انقطع الوحي الشريف، وانقطعت السماء عن الأرض.يقول أنس رضي الله عنه : ((لما كان اليومُ الذي دخل فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينةَ أضاء منها كلُّ شيء، فلمَّا كان اليومُ الذي مات فيه أظلمَ منها كلُّ شيء، وما نفَضْنا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الأيديَ حتى أنكَرْنا قلوبَنا)) رواه الترمذي بسند صحيح.

لقد فاضت روحه الشريفة صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الرفيق الأعلى *في الثاني عشر من ربيع الأول* في السنة الحاديةَ عشرةَ للهجرة. *هنا لم تختلف كتب السير في تحديد يومِ وفاته كما اختلفت في تحديد يوم ولادته.*

هل سأحتفل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟

 لا، لن أحتفل بالمَولِد بعد اليوم.  إنَّ احتفالي الحقيقي هو أن أسير على خُطاه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن أُحييَ سُنَّته، وأن أدافِعَ عنها, وأن أُحِبَّه وأحبَّ آلَ بيته الطيبين الطاهرين، وصحابتَه الغُرَّ الميامين.


المقال الأصلي: غدًا سأحتفِلُ بمَوْلِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

من منتجاتنا