قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

خطبة الحرم: صلاح الدين والدنيا والآخرة

المحتويات:

خطبة الحرم: صلاح الدين والدنيا والآخرة

مقتطفات من خطبة الجمعة في الحرم المكي
خطب بها فضلية الشيخ د.أسامة بن عبدالله خياط

٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٣

موضوع الخطبة: صلاح الدين والدنيا والآخرة

الخطبة الأولى:

  • عباد الله إن منتهى أمل الأبرار ومطمح أنفس الأخيار ومحط رجائهم وغاية دعائهم صلاح الدين والدنيا والأخرة، إذ به تستكمل للعبد أسباب السعادة وتستجمع عوالم الفلاح ولذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في دعاءٍ واحد له. ففي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال كان من دعاء النبي

    «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ»

    وهو من جوامع الدعاء النبوي الذي اشتمل على كل خير يرجوه المرءُ في حياته في الدنيا والآخرة .
  • صلاح الدين الذي يستعصم به من الزلل، ويسلم به من الزيغ وينجو به من الضلال، مداره على صلاح المعتقد بإخلاص التوحيد لله تعالى، وقوة الإقبال عليه سبحانه والإعراض عما سواه، وتحقيق العبودية له بصرف جميع أنواع العبادة له عز شأنه والنأي عن الإشراك به حذرًا أن يضل سعيه ويحبط عمله.
  • ثم التحلي بالفضائل والتجافي عن الرذائل فقد أفلح من زكى نفسه بإصلاح دينه وطاعة ربه، وقد خاب وخسر من أخمل نفسه ووضع منها، وخذلها باجتراح السيئات واقتراف الآثام، كما قال تعالى ذكره: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.
  • ومن عوامل صلاح الدين أيضًا: انتهاج نهج الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم بالعمل بسنته، واقتفاء أثره وسيرته، وترك الابتداع في دينه والحذر من مخالفة هديه وشريعته، عملًا بالأمر الرباني الوارد في قوله سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ ، وقوله عز اسمه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
  • و أما صلاح الدنيا فعماده: البسطة في الرزق، ومنه: نعمة الأهل والولد، ورفعة القدر، وانشراح الصدر، والبركة في العمر، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان.
  • كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن عن عبيد الله بن محصن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

    «مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه ، مُعافى في جسَدِهِ ، عندَهُ قُوتُ يَومِه ، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا»

    وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ»

    ومعنى كفافًا: أي رزق الكفاية التي تكفه عن الحاجات إلى غيره، وهو الحلال من الرزق، والطيب من الكسب؛ إذ لا فلاح مع الكسب الخبيث، والحرام من الأموال، المكتسبة من الغش والتدليس والرشوة، والربا وأكل مال اليتيم، وغيرها من ألوان أكل أموال الناس بالباطل.
  • وأما صلاح الآخرة فبأن يمن الله على المرء فيحشره في زمرة السعداء، ومنازل الأتقياء، فيحاسب حسابًا يسيرًا، ويمضي على الصراط إلى جنات عدن فيها نعيم مقيم، الذين قال الله فيهم: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

    وهم الذين أوتوا كتبهم بأيمانهم، وقال الله في وصف حالهم: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾.
  • ولما كانت هذه الحياة الدنيا مؤذنة بزوال، محدودة بآجال، لا يستأخر أصحابها عنها ساعة ولا يستقدمون، فقد جاء ختام هذا الدعاء النبوي العظيم بسؤال الله تعالى أن يجعل هذه الحياة مضمارًا لاستباق الخيرات، وميدانًا للتنافس في الباقيات الصالحات.
  • وهو دليل على أن الأخيار من عباد الله إنما يزدادون من الخير كلما طال بهم العمر، وامتدت بهم الحياة، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، ولا يَدْعُ به مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، إنَّه إذا ماتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلَّا خَيْرًا»
  • وإذن فالحياة التي يقطع المؤمن أشواطها في الاستزادة من صالح القول والعمل، خير يرغب فيه، ويحرص عليه، والموت راحة له من الفتن والشرور والآثام، بالسلامة من غوائلها، والتردي في وهدتها، ولاسيما مع غلبة الضعف واستحكام العلة وندرة المعين.

    ولهذا جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: «وإذا أردت بعبادِك فتنةً فاقبضْني إليك غيرَ مفتونٍ »

الخطبة الثانية:

  • فيا عباد الله لقد جاء في بيان عظم مقام هذا الدعاء النبوي، وعلو قدره، وشرف منزلته، وبالغ أثره، قول أبي العباس القرطبي – رحمه الله – ومعنى هذا – أي معنى الدعاء بصلاح الدين – أن الدين إن فَسُد لم يصلح للإنسان دنيا ولا آخرة، وهذا دعاء عظيم جمع خيري الدنيا والآخرة، فحق على كل سامع له أن يحفظه ويدعو به آناء الليل والنهار، لعل الإنسان أن يوافق ساعة استجابة فيحصل على خير الدنيا والآخرة.
  • وهذا يا عباد الله شأن جميع الأدعية النبوية الشريفة الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه في شتى الأوقات ومختلف المناسبات، فإنها جامعة لكل ما يُجلب به الخير، ويُدفع به الشر، ويبلغ به المراد، فاحرصوا رحمكم الله على الأخذ بها، والاستزادة منها، والاستدامة عليها، إذ هي وسيلة صالحة، وسبب موصل إلى كل خير عاجل أو آجل.

من منتجاتنا

No data was found