قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

خطبة الحرم: توجيهات نبوية

المحتويات:

خطبة الحرم: توجيهات نبوية

مقتطفات من خطبة يوم الجمعة في الحرم المكي خطب بها فضلية الشيخ د. فيصل بن جميل غزاوي

١ شعبان ١٤٤٣

الخطبة الأولى:

  • عباد الله إن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم الرصينة تضمين لقواعد متينة وقيم عظيمة، في جميع جوانب الحياة يتبين للمسلم من خلالها المنهج الصحيح ليكون وفق ما أراد الله.
    ولا يحيد عن هداه وبها تقوم التصورات وتصوب الاجتهادات وتحل المشكلات.
    عباد الله إن الحقوق في الإسلام مصانة، المؤمن الحق من يعطي كل ذي حق حقه.
  • لما زار سلمان الفارسي أبا الدرداء رضي الله عنهما نصح له وأرشده بكلمات نافعة في مسيرة حياته فقال: إن لنفسك عليك حقا ولربك عليكَ حقا ولضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا، فأعطي كل ذي حق حقه.
    وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم صحة ما وجه به سلمان فقال: صدق سلمان.
    فأقره وصدقه في كل ذلك، إذ هو توجيه سديد يدعو إلى التوفيق بين الحقوق والواجبات.
  • كم حصل من التقصير والتفريط بسبب مخالفة هذا المبدأ العظيم.
  • إخوة الإسلام لقد حث الشارع على صلة الرحم، وبين ما فيها من عظيم الأجر ورغب في كل وسيلة مشروعة للإحسان إلى الأقربين ، فلما اعتقت ميمونة زوج النبي وليدة لها وأشعرت النبي بعد ذلك، نصح لها ودلها على ما هو أفضل لها وأقرب نفعا فقال صلى الله عليه وسلم: أما لو أنكِ اعطيتها أخوالكِ كان اعظم لأجرك، يعني كان اعظم ثوابا لك من اعتاقها لحاجتهم إلى من يخدمهم، وفي هذا توجيه إلى مساعدة ذوي القربى وبرهم وإيصال ما أمكن إليهم من الخير، وأن يحرص المسلم على ما يعود عليه من الأعمال بأكثر نفعٍ وأعظم أجر.
  • عباد الله كما جاء الإسلام ليقضي على سنن الجاهلية وكل دعوى باطلة لها ومن هذه الدعاوى العصبية القبلية التي بين الشرع تحريمها وذمها اشد الذم ﴿ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
    وجعل التقوى هي ميزان التفاضل ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
  • لما كان الصحابة رضي الله عنهم في غزاة كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فعابه مستهجنا له وقال: ( ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم، فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوها، فإنها خبيثة) .
  • الدين الإسلامي دعا إلى حماية أعراض الناس وصيانتها، وحرم الاعتداء عليها بما يتوافق مع فطرة الغيرة على العرض، ومن أجل ذلك أحاط الأسرة بسياج حصين يمنع وقوع الرذائل ويكون وقاية من الافتتان كما حذر من الوسائل المؤدية إلى ذلك ، وأعظمها الخلوة بالأجنبية قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)
  • من الناس من يتساهل في دخول بعض القرابة غير المحارم على النساء مع تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: (إياكم والدخول على النساء!)، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال (الحمو الموت)، والحمو قرابة الزوج كأخ الزوج وعمه وخاله وغيرهم، وخص (الحمو) لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي.
  • اتقاء الشبهات والتورع عن الحرام مطلب لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فلما تزوج عقبة بن حارثة أتته امرأة فأخبرته بأنها أرضعته والفتاة التي تزوج بها فأنكر ذلك ثم سأل أهل الفتاة عن صحة وقوع هذا الرضاع فنفوا علمهم بذلك، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في المسألة كان لا بد من جواب حازم حاسم وعندئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟! ففارق عقبة التي نكحها ونكحت زوجا غيره.
    والشاهد في القصة قوله صلى الله عليه وسلم: وكيف وقد قيل؟!» أي: كيف تبقيها عندك تباشرها وتعاشرها وقد قيل: إنك أخوها من الرضاعة؟! اتقاء للشبهات أو لفساد النكاح.
  • وهذا توجيه عظيم لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الابتعاد عن مواطن التباس الحلال بالحرام واجتناب ما لم يتيقن حله، وحمل نفسه على الاحتياط في دينه.
  • عندما رأى عليه الصلاة والسلام تمرة ملقاة على الأرض ولكونه لا تحل له الصدقة تنزه عن الشبهة قائلا ” لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها”.
  • ينبغي على المرء قبول نصيحة الناصح متى أرشده إلى خطئه ففي ذلك مصلحته ونجاته والحذر أن تأخذه العزة بالإثم فيرد الحق ويستنكف عن قبوله؛ كما ينبغي له أن يفرح بهذا الذي أسدى إليه النصيحة ويسر به، ويشكر له تذكيره، لا أن يبغضه ويغضب عليه ويرى أنه قد تدخل في شؤونه الشخصية أو فيما لا يعنيه.
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ففي هذا بيان فضل من دل على خير، وفضل من أعان على فعل الخير، وفضل تعليم الخير خاصة لمن يعمل به.

الخطبة الثانية:

  • يا عباد الله من الأمور التي ينبغي ألا تغيب عن الأذهان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، فصار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً، متأدباً بآدابه متخلقاً بأخلاقه مهتدياً بهديه متأسياً بكل ما استحسنه واثنى عليه ودعا له ومجتنباً لكل ما استهجنه ونهى عنه، فكان التأسي به صلى الله عليه وسلم والعمل بتوجيهاته كفيلاً بصبغ حياة المسلم بصبغة دين الإسلام الذي شرعه الله تعالى وارتضاه، وبما يحقق السعادة للمرء في دنياه وأخراه.
  • معاشر المسلمين الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، فمن الجهل ترك الأخذ بالأسباب بدعوى التوكل على الله، ومن الجهل أيضاً الاعتماد على الأسباب والغفلة عن التوكل على الله، وكلا الحالين مذموم، والصحيح أن تجمع بين الأمرين، سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أرسل ناقتي وأتوكل؟ بمعنى أي الفعلين يوافق التوكل، ربط الناقة أو تركها ثم السعي لأحواله ليستبين له ماذا يعمل؟ عندئذ قال صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل.
  • يا أيها الناس إن إحسان الظن بالله من صفات المؤمن الحق فهو يرجو الخير والفضل من الله سبحانه وتعالى في كل أحواله، ويسلم أمره لله، ولكن عندما يقنط المرء من رحمة الله تنطفئ جذوة الأمل لديه ويبقى أسير القلق والتشاؤم الذي يسيطر عليه، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعوده قائلاً له: لا بأس طهور إن شاء الله، بمعنى أن الحمى تطهره وتنقي ذنوبه، لكن الرجل كان فاقد الأمل غير صابر، فقال: كلا بل هي حمى تفور على رجل كبير كيما تزيره القبور، إنه لم يقبل توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم ورده بهذه القولة البائسة التي تحكي حالته اليائسة، عندئذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذاً، وهذا إلزام بما تطير به، ومما يستفاد من الحديث الحذر من أن يطلق المرء لسانه في الأمور التي يتشائم منها،
    احذر لسانك ان تقول فتبتلى
    إن البلاء موكل بالمنطق
  • أيها الأخوة يحرص المسلم على مجاهدة نفسه في استباق الخيرات والمواظبة على النوافل والطاعات، ولا يبادر إلى التماس الأعذار في ترك المحاسن وللفضائل وكسب الحسنات، بل يستعين بالله ويحاول التغلب على نفسه بما أمكن، ولا يتعلل بما ليس بحجة فلما طرق النبي صلى الله عليه وسلم علياً وفَاطِمَةَ بنْتَ النبيِّ عليه السَّلَامُ لَيْلَةً، فَقالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذلكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وهو يقولُ: {وَكانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] رواه البخاري.
  • وهذا لم يقف الأمر عند حثه صلى الله عليه وسلم على اغتنام الفضائل بالقول فحسب، بل ضرب لنا أروع الأمثلة العملية في المسارعة إلى فعل الخيرات فقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ولما سألته عائشة رضي الله عنه لم تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً، ولما سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه فقال يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
  • عباد الله علينا أن نستشعر حقارة الدنيا وزوالها، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، أي هي متاع فانٍ لمن ركن إليه، فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها، ولا معاد وراءها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على حصيرٍ قال: فجلستُ، فإذا عليه إزارُه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِه، وإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحوَ الصَّاعِ، وقَرظٍ في ناحيةٍ في الغرفةِ، وإذا إهابٌ مُعلَّقٌ، فابتدرت عيناي، فقال: ما يُبكيك يا بنَ الخطَّابِ؟ فقال: يا نبيَّ اللهِ وما لي لا أبكي! وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِك وهذه خِزانتُك لا أرَى فيها إلَّا ما أرَى، وذاك كسرَى وقيصرُ في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت نبيُّ اللهِ وصفوتُه وهذه خِزانتُك. قال: يا بنَ الخطَّابِ أما ترضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا)، الترغيب والترهيب.

من منتجاتنا

No data was found