قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

خطبة الحرم: القرب من الله

المحتويات:

خطبة الحرم: القرب من الله

مقتطفات من خطبة يوم الجمعة في الحرم المكي
خطب بها فضلية الشيخ د. فيصل بن جميل الغزواي

٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٣

موضوع الخطبة: القرب من الله تعالى

الخطبة الأولى:

  • المتقي ينال رضا ربه ويفوز بقربه
    ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾
  • أيها المسلمون إن المؤمن العاقل الحصيف يقبل على الخير و مايعينه عليه ويحرص على ما يرضي ربه ويقربه إليه ويجتنب الأعمال التي تبعده عن مولاه ويحذر قربان مايكون له خسارة في دنياه وأخراه.
  • من الفقه أن يكون المرء على بينة من أمره يعرف متي يكون القرب من الشيء نافعاً مفيداً ومتى يكون القرب من الشيطان غير مفيد فينأئ عنه.
  • أيها الإخوة إن أعظم القرب القرب من الله وقد امتدح الله الذين يتنافسون في القرب منه مبيناً حالهم بأنهم:﴿ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ﴾
    وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾
    يعني أن غيرهم دونهم في القرب من الله ومما هو معلوم أن مراتب القرب من الله تعالى تختلف بحسب رتبة المقرب فالملائكة عليهم السلام شرفهم الله بالعبودية له ، وجعلهم مقربين كما جاء في وصفهم بأنهم الملائكة المقربون .
  • الأنبياء والرسل جميعاً سادة المقربين وقد وصف الله نبيه عيسى عليه السلام بكونه ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾
  • وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو أقرب المقربين الى الله تعالى وأعلاهم منزلةً عنده .
  • القرب من الله تعالى هو القوة الحقيقية التي يملكها العبد قال تعالى في معرض الامتنان على نبيه موسى عليه السلام ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ فإن ذلك القرب هو الذي أعان موسى عليه السلام على تخطي كل ما أصابه في مواجهة فرعون والسحرة .
  • على العبد أن يتعلم ما يقربه إلى الله ويجعله عزيزاً عنده .
  • التوبة إلى الله من أجل ما يقرب المرء إلى مرضاة الله ويبعده عن مساخطه كما قال نبي الله صالح عليه السلام لقومه “فأستغفروه ثم توبوا اليه إن ربي قريب مجيب”

    أي أن ربي قريب ممن أخلص له العباده ورغب إليه في التوبة ، مجيب له إذا دعاه والإحسان ذروة الأعمال وخير مكانة يتبؤوها العبد وبه يعظم قربه من ربه ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
  • قال ابن القيم رحمه الله حظ العبد من القرب من الله على قدره من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد .
  • من أعظم ما يورث القرب من الله ذكر العبد لربه فعلى قدر ما يذكره يكون قربه منه فبالحديث القدسي يقول الله تعالى “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه اذا ذكرني ومما يتحقق به القرب من الله اداء الفرائض والإكثار من النوافل ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه»
  • من أجل الفرائض التي يتقرب بها العبد إلى الله الصلاة والسجود لله تعالى؛ لذلك أرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
  • فقوله وأسجد أهتماما بالصلاة، وعرف عليه وأقترب للتنويه لما في الصلاة من مرضاة الله بحيث جعل المصلي مقتربا من الله تعالى ، وقال صلى الله عليه وسلم «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ»
  • أرشد صلى الله عليه وسلم من سأله مرافقته في الجنةِ بقوله «فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ».
  • الدعاء شأنه عظيم فلله قرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
  • مما عرف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة وشمائله الكريمة أنه كان قريبا من الناس، يتجلى فيه جميل المعاشرة وأدب المخالطة فيحب لهم الخير ويحرص على نفعهم وقضاء حوائجهم وتفقد شؤونهم وإجابة دعوتهم والإصلاح بينهم والصبر على أذاهم والعفو والصفح عن إساءتهم.
  • بين فضل ذلك العمل بقوله: (ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كل هين لين قريب سهل) أي كل قريب من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الاستطاعة، وكل حليم لين الجانب، سمحٍ في معاملة الناس.
  • من محاسن الشريعة الغراء أنها دعت إلى التواصل والتقارب والتكافل والترابط بين المسلمين، ليكون حسن العلاقات بينهم موصولا، وحبل المودة بينهم ممدودا. وأجدر الناس بذلك الأهل والأقارب والأرحام.
  • كلما قرب الزوجان من الله زاد القرب بينهما وكلما ابتعد أحدهما عن ربه وجد أثر ذلك في زوجه قال بعض السلف: “إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي”.

الخطبة الثانية:

  • من تقرب إلى الله شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب إلى الله ذراعاً تقرب منه باعاً.
  • كما أن العبد يحرص على ما يقربه من ربه، فعليه أن يبتعد عما يشينه ويسوؤه، وأن يكون بعيداً عن كل ما يوقعه في المحرمات، الصغار منها والموبقات، فقد حذر الله سبحانه وتعالى آدم وحواء بقوله : ﴿وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ﴾ ،لكن الشيطان أغواهما فأكلا منها فكان ما كان من شأنهما.
  • وقد جاءت الأدلة المتكاثرة في النهي عن قربان بعض الكبائر، لأن قربانها قد يؤدي إلى الوقوع فيها كقوله تعالى﴿وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ﴾ والمعنى داوم على هجر الأصنام والأوثان وأعمال الشرك كلها فلا تقربها، وابتعد عن كل ما يلابسها.

    وقوله تعالى﴿فَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَـٰنِ وَٱجۡتَنِبُوا۟ قَوۡلَ ٱلزُّورِ﴾ أي ابتعدوا عن عبادة الأوثان وطاعة الشيطان واتقوا قول الزور كمثل ما افتراه المشركون باتخاذهم آلهة لتقربهم من الله منزلة بزعمهم.
  • المؤمن فيحذر الشرك والكذب والزور، ويبتعد عما لا قُربة له فيه ولا طاعة، قال تعالى في وصف عباد الرحمن﴿وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا﴾ ويدخل في ذلك كما ذكر العلماء الشرك وعبادة الأصنام والفسق والكذب والباطل ومجالس السوء وأعياد المشركين والمناسبات البدعية.
  • مما نهى الله عن قربانه كذلك ما جاء في قوله تعالى﴿وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَسَاۤءَ سَبِیلࣰا﴾ فنهى عن الزنا وعن مقاربته، وهو مخالفة أسبابه ودواعيه، وقوله جل شأنه ﴿وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلۡفَوَ ٰ⁠حِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ﴾ أي لا تقربوا الذنوب العِظام المستفحشة ما كان منها ظاهراً وما كان منها خفياً، وهذا يتناول النهي عن مقدماتها والوسائل الموصلة إليها.
  • أيها المسلمون إنه من الواجب علينا أن نغتنم أعمارنا في طاعة ربنا حتى لا نتحسر عند موتنا على ساعة مضت من عمرنا لم نتقرب فيها إلى بارئنا.
  • لنعلم أن في قربنا من ربنا ونيل المكانة عنده والمنزلة والحظوة سعادة الدنيا والآخرة، وفي البعد عنه أكبر خسارة وأشد ندامة وأعظم شقاوة.
  • كما علينا أن نحذر من أسباب البعد عن الله والطرد من رحمته.

من منتجاتنا

No data was found