قلب ينبض بالإيمان، قلب صالح..درب يصلح

You are reading

خطبة الحرم: الأمانة والفساد المالي

المحتويات:

خطبة الحرم: الأمانة والفساد المالي

مقتطفات من خطبة الجمعة في الحرم المكي
خطب بها فضلية الشيخ د. ماهر المعيقلي

٦ جمادى الأولى ١٤٤٣

موضوع الخطبة: الأمانة والفساد المالي

الخطبة الأولى:

  • أمة الإسلام إن من مقاصد الشريعة الكبرى بل من الضروريات العظمى المحافظة على الأموال التي تقوم بها مصالح العباد، ولأهمية المال شرعت الملكية الخاصة والعامة، وشرع للمرء أن يدافع عن ماله فمن قتل دون ماله فهو شهيد.
  • وأطول آية في كتاب الله جاءت في شأن المال والتصرف فيه وتوثيقه وحفظ ، فالمال قرين العرض والدم قال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم
  • وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ».
  • فبنو آدم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه فيشيب ابن آدم وقلبه لا يزال شاباً على حب المال، إلا من رحمة ربه وجعل غناه في قلبه، فالمال فتنة يبتلي الله به من شاء من عباده، فمن أجمل في طلبه وأنفقه في حقه فقد فاز وربح وأفلح وأنجح، وكان بركة عليه وأجراً ولورثته ذخراً ومغنماً، وأما من جعل المال أكبر همه فالحلال عنده ما حل بيده ولم يبالي من أين اكتسبه فقد أصبح ماله وبالا عليه.
  • إن أمسكه لم يبارك له فيه وإن تصدق به لم يقبل منه ، لأن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً وإن خلفه وراء ظهره كان زاداً له إلى النار، غرمة عليه وظلمة لورثته ولا يثبت أمام هذه الفتنة إلا الصادق النزيه.
  • فالنزاهة هي دليل الديانة والصدق والأمانة فمن نزه نفسه فقد أبعدها عن المطامع الدنية وحفظ كرامتها وعزتها.
  • وبذل أسباب غناها ورضا الرحمن عنها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة فقد كان يربي أصحابه على العفة والنزاهة، ففي الصحيحين عن حكيم بن حزام، قال: سألت رسول الله ﷺ فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ««يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى»، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه.
  • فالمسلم كلما تحلى بخلق النزاهة أثمر في قلبه الورع والقناعة وأتصف بالصدق والأمانة فنال محبة ربه وفاز بمرضاته، قال الماوردي رحمه الله والنَّفس الشَّريفة تطلب الصِّيانة، وتُـرَاعي النَّزاهَة، وتحتمل من الضُّرِّ ما احتملت، ومن الشِّدَّة ما طاقت، فيبقى تحمُّلها ويدوم تصوُّنها.
  • إخوة الايمان إذا تخلى الناس عن خلق النزاهة حل الفساد في المجتمعات وضيعت الامانات ونهبت الخيرات.
  • الرشوة من أعظم أبواب الفساد وهي من كبائر الذنوب والخطايا سواء سميت إكرامية أو هدايا.
  • والراشي والمرتشي والرائش ملعونون عند الله مطرودون من رحمته.
  • من استرعاه ولي الأمر على عمل فلا يحل له أن يأخذ فوق حقه، فما أخذ فوق حقه فهو غلول يغل يد صاحبه يوم القيامة ولو كان شيئاً يسيراً.
  • ولقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه كعب ابن عجرة رضي الله عنه فقال له: «يا كعبُ بنَ عُجرةَ ! إنه لا يَربو لحمٌ نبَت مِن سُحتٍ إلا كانَتِ النارُ أَولى به ». رواه الترمذي
  • والسحت هو الحرام الذي لا يحل كسبه، قال شيخ الاسلام (وذلك لأن الطعام، يخالط البدن ويمازجه وينبت منه، فيصير مادة وعنصرا له، فإذا كان خبيثا، صار البدن خبيثا فيستوجب النار).

الخطبة الثانية:

  • إن الأمانة صلاح وشرف وكرامة، أمر سبحانه بحفظها ورعايتها وأداءها والقيام بحقها، وهي من صفات الأنبياء والمرسلين يبلغون بها رسالة ربهم، ويقيمون الحجة على أقوامهم، فما من نبي إلا قال لقومه: إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون، ونبينا صلى الله عليه وسلم خير الأمناء بشهادة الأعداء، في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أَخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ، أنَّ هِرَقْلَ قَالَ له: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أنَّه أمَرَكُمْ بالصَّلَاةِ، والصِّدْقِ، والعَفَافِ، والوَفَاءِ بالعَهْدِ، وأَدَاءِ الأمَانَةِ، قَالَ: وهذِه صِفَةُ نَبِيٍّ.) ، فالأمانة من علامات الإيمان، وخيانتها نفاق وعصيان، وسبب للسقوط في النيران، فإذا ضُرِبَ الصراط على متن جهنم كانت دعوة الأنبياء هناك اللهم سلّم سلّم، قال صلى الله عليه وسلم: (وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا) رواه مسلم.
  • أخوة الإيمان لا ريب أن الفساد المالي على اختلاف أشكاله وصورهم خيانة الأمانة وأكل أموال الناس بالباطل ظلماً وعدواناً، زوراً وبهتاناً، ولا يقف أمام هذا الفساد إلا الحارس الأمين المخلص لدينه المخلص لوطنه، الصالح في نفسه المصلح لغيره فيأمر بالصلاح، وينهى عن الفساد، ويحافظ على مكتسبات البلاد، ويجعل من نفسه مرآة لجهات الرقابة والنزاهة فمن لم يرهبه وعيد القرآن، ردعته دُرة السلطان، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وشريعتنا المباركة قد جعلت من الرقابة مسؤولية يتحملها الفرد كما تتحملها الجماعة، قال تعالى: {وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ} [سورة التوبة 71].
  • فالواجب علينا معاشر المسلمين أن نتعاون مع أجهزة الدولة المعنية بالرقابة والنزاهة، وإنا لنحمد الله عزوجل في هذه البلاد المباركة أن أصبحت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين مثالاً رائداً يُحتذى في محاربة الفساد، بكل صوره وأشكاله فكونوا أيها المؤمنون يداً واحدةً مع ولاة أمركم لنهضة وطنكم، وعلو شأنكم، ولتفلحوا في دينكم ودنياكم، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰ⁠نِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ} [سورة المائدة 2].

من منتجاتنا

No data was found